فصل: من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي النمل {تجهلون فما كان} [النمل: 55] وفي العنكبوت {وتأتون في ناديكم المنكر فما كان} [الآية: 29] لصحة تعقيب الفعل الفعل {إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم} وفي النمل {أخرجوا آل لوط} [الآية: 56] ليكون ما في النمل تفسيرًا لهذه الكناية وقيل: إن سورة النمل نزلت قبل الأعراف فيكون قد صرح في الأولى وكنى في الثانية. قال في الكشاف: يعني ما أجابوه بما يكون جوابًا عما كلمهم به لوط عليه السلام من إنكار الفاحشة. ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله ولكنهم جاؤا بكلام آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ضجرًا بهم وبما يسمعونهم من وعظهم ونصحهم، وقولهم: {إنهم أناس يتطهرون} سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد.
وقيل: المراد أن ذلك العمل في موضع النجاسة فمن تركه فقد تطهر. وقيل: ان البعد عن الإثم يسمى طهارة، فالمراد أنهم يتباعدون عن المعاصي والآثم {فأنجيناه وأهله} أي أنصاره وأتباعه والذين قبلوا دينه، وعن ابن عباس: أراد المتصلين به في النسب بدليل قوله: {إلا امرأته} يقال: امرأة الرجل بمعنى زوجته ولا يقال مرء المرأة يعني زوجها لأن المالكية حق الزوج {كانت من الغابرين} وفي النمل {قدرناها من الغابرين} [النمل: 57] أي كانت في علم الله من الغابرين. {فقدرناها من الغابرين} وإن قلنا بتأخر نزول الأعراف فالمعنى قدرناها من الغابرين فصارت من الغابرين، والغبور المكث والبقاء أي من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، أو التذكير لتغليب الذكور وكانت كافرة موالية لأهل سدوم. روي أنها التفتت فأصابها حجر فماتت. ثم وصف العذاب فقال: {وأمطرنا عليهم مطرًا} أي أرسلنا عليهم نوعًا من المطر عجيبًا. قيل: كانت المؤتفكة خمس مدائن. وقيل كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة. فأمطر الله عليهم الكبريت والنار. وقيل: خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم. وقيل: أمطر عليهم ثم خسف بهم. وروي أن تاجرًا منهم كان في الحرم فوقف له الحجر أربعين يومًا حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه {فانظر} يا محمد أو كل من له أهلية النظر والاعتبار {كيف كان عاقبة المجرمين} وهذه الأمة وإن أمنت من عذاب الاستئصال إلا أن الخوف والاعتبار من شعار المؤمن لا ينبغي أن ينفك عنه على أن عذاب الآخرة أشدّ وأبقى ولم يأمنوه بعده.
مسائل: الأولى مذهب الشافعي أن اللواط يوجب الحدّ لأنه ثبت في شريعة لوط فالأصل بقاؤه إلى طريان الناسخ ولم يظهر نسخ في شرعنا، ولأن ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على علية الوصف للحكم، فالآية دلت على أن هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص. وقال أبو حنيفة: إن الواجب فيه التعزير لأنه فرج لا يجب المهر بالإيلاج فيه فلا يجب الحدّ كإتيان البهيمة، وعلى الأول ففي عقوبة الفاعل قولان: أحدهما أن عقوبته القتل محصنًا كان أو لم يكن لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول» وأصحهما أن حده حد الزنا فيرجم إن كان محصنًا ويجلد ويغرب إن لم يكن محصنًا لأنه حد يجب بالوطء، ويختلف فيه البكر والثيب كالإتيان في القبل. وعلى قول القتل فيه وجوه أحدها: يقتل بالسيف كالمرتد، والثاني وبه قال مالك وأحمد يرجم تغليظًا، ويرى عن علي عليه السلام أيضًا. والثالث يهدم عليه جدار أو يرمى من شاهق جبل ليموت أخذًا من عذاب قوم لوط.
وأما المفعول فإن كان صغيرًا أو مجنونًا أو مكرهًا فلا حد عليه ولا مهر لأن منفعة بضع الرجل لا تتقوم، وإن كان مكلفًا طائعًا فيقتل بما يقتل به الفاعل إن قلنا إن الفاعل يقتل، وإن قلنا يحد حد الزنا فيجلد ويغرب محصنًا كان أو لم يكن، وإن أتى امرأة في دبرها ولا ملك ولا نكاح فالأظهر أنه لواط لأنه إتيان في غير المأتي ويجيء في الفاعل والمفعول ما ذكرنا. وقيل: إنه زنا لأنه وطء أنثى فأشبه الوطء في القبل فعلى هذا حده حد الزنا بلا خلاف. وترجم المرأة إن كانت محصنة. وإذا لاط بعبده فهو كالأجنبي على الأصح ولو أتى امرأته أو جاريته في الدبر فالأصح القطع بمنع الحد لأنها محل استمتاعه بالجملة. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {وَلُوطًا} معطوف على ما سبق، أي وأرسلنا لوطًا، أو منصوب بفعل مقدّر، أي واذكر لوطًا وقت قال لقومه.
قال الفراء: لوط مشتق من قولهم: هذا أليط بقلبي، أي ألصق.
قال الزجاج: زعم بعض النحويين أن لوطًا يجوز أن يكون مشتقًا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين، وهذا غلط.
لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق.
وقال سيبويه نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة، فلذلك صرفت.
ولوط هو ابن هاران بن تارخ، فهو ابن أخي إبراهيم، بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم.
{أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي الخصلة الفاحشة المتمادية في الفحش والقبح.
قال ذلك إنكارًا عليهم وتوبيخًا لهم {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} أي لم يفعلها أحد قبلكم.
فإن اللواط لم يكن في أمة من الأمم قبل هذه الأمة، و{من} مزيدة للتوكيد للعموم في النفي، وإنه مستغرق لما دخل عليه، والجملة مسوقة لتأكيد النكير عليهم والتوبيخ لهم.
قوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة.
وقرأ الباقون بهمزتين على الاستفهام المقتضي للتوبيخ والتقريع، واختار القراءة الأولى أبو عبيد والكسائي وغيرهما، واختار الخليل وسيبويه القراءة الثانية، فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبينة لقوله: {أَتَأْتُونَ الفاحشة} وكذلك على القراءة الثانية، مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ، وانتصاب {شهوة} على المصدرية، أي تشتهونهم شهوة، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال، أي مشتهين.
ويجوز أن يكون مفعولًا له، أي لأجل الشهوة، وفيه أنه لا غرض لهم بإتيان هذه الفاحشة إلا مجرد قضاء الشهوة من غير أن يكون لهم في ذلك غرض يوافق العقل، فهم في هذا كالبهائم التي ينزو بعضها على بعض، لما يتقاضاها من الشهوة {مّن دُونِ النساء} أي متجاوزين في فعلكم هذا للنساء، اللاتي هنّ محل لقضاء الشهوة، وموضع لطلب اللذة، ثم أضرب عن الإنكار المتقدّم إلى الإخبار بما هم عليه من الإسراف الذي تسبب عنه إتيان هذه الفاحشة الفظيعة.
قوله: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} الواقعين في هذه الفاحشة على ما أنكره عليهم منها {إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم} أي لوطًا وأتباعه {مّن قَرْيَتِكُمْ} أي ما كان لهم جواب إلا هذا القول المباين للإنصاف، المخالف لما طلبه منهم وأنكره عليهم، وجملة: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} تعليل لما أمروا به من الإخراج، ووصفهم بالتطهر، يمكن أن يكون على حقيقته، وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزهون عن الوقوع في هذه الفاحشة، فلا يساكنونا في قريتنا، ويحتمل أنهم قالوا ذلك على طريق السخرية والاستهزاء، ثم أخبر الله سبحانه أنه أنجى لوطًا وأهله المؤمنين به، واستثنى امرأته من الأهل، لكونها لم تؤمن به، ومعنى: {كَانَتْ مِنَ الغابرين} أنها كانت من الباقين في عذاب الله، يقال غبر الشيء إذا مضى، وغبر إذا بقي فهو من الأضداد.
وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا: الماضي عابر بالعين المهملة، والباقي غابر بالمعجمة.
وقال الزجاج: {مِنَ الغابرين} أي من الغائبين عن النجاة.
وقال أبو عبيد: المعنى {مِنَ الغابرين} أي من المعمرين، وكانت قد هرمت، وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي.
قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} قيل: أمطر بمعنى إرسال المطر.
وقال أبو عبيدة: مطر في الرحمة وأمطر في العذاب، والمعنى هنا: أن الله أمطر عليهم مطرًا غير ما يعتادونه، وهو رميهم بالحجارة كما في قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} [الحجر: 74] {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} هذا خطاب لكل من يصلح له، أو لمحمد صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر، عن ابن عباس في قوله: {أَتَأْتُونَ الفاحشة} قال: أدبار الرجال.
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس، قال: إنما كان بدء عمل قوم لوط: أن إبليس جاءهم في هيئة صبيّ، أجمل صبيّ رآه الناس، فدعاهم إلى نفسه، فنكحوه ثم جسروا على ذلك.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عنه، في قوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} قال: من أدبار الرجال، ومن أدبار النساء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} قال: من الباقين في عذاب الله.
وأخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: كان قوم لوط أربعة آلاف ألف. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}.

.قِصَّةُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

خَيْرُ مَا يُعْرَفُ بِهِ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ صَلَّى الله عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ كَمَا فِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ وَسِفْرِ التَّكْوِينِ، وَفِيهِ أَنَّ اسْمَ وَالِدِهِ حَارَانُ وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي أُوَرِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَهِيَ فِي طَرْفِ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَنُوبِ الْعِرَاقِ الْغَرْبِيِّ مِنْ وِلَايَةِ الْبَصْرَةِ- وَكَانَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ تُسَمَّى أَرْضَ بَابِلَ. وَأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَافَرَ مَعَ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ إِلَى مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى جَزِيرَةَ قُورَا، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى الْآنَ بِجَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَكَانٌ تُحِيطُ بِهِ دِجْلَةُ فَقَطْ وَهُنَالِكَ كَانَتْ مَمْلَكَةُ أَشُورَ فَإِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ مِنْ سُورِيَّةَ. ثُمَّ أَسْكَنَهُ إِبْرَاهِيمُ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِ بِاخْتِيَارِهِ لَهَا لِجَوْدَةِ مَرَاعِيهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ- الْمُسَمَّى بِعُمْقِ السَّدِيمِ بِقُرْبِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي سُمِّيَ بِبَحْرِ لُوطٍ أَيْضًا- الْقُرَى أَوِ الْمُدُنُ الْخَمْسُ: سَدُومُ وَعَمُورَةُ وَأَدْمَةُ وَصَبُوبِيمُ وَبَالِعُ الَّتِي سُمِّيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صُوغَرَ لِصِغَرِهَا، فَسَكنَ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَاصِمَتِهَا سَدُومَ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَيْنَ كَانَتْ تِلْكَ الْقُرَى مِنْ جِوَارِ بَحْرِ لُوطٍ إِذْ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، فَمِنَ الْمُؤَرِّخِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْبَحْرَ غَمَرَ مَوْضِعَهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَتْ عَمُورَةُ تَلِي سَدُومَ فِي الْكِبَرِ وَفِي الْفَسَادِ، وَهُمَا اللَّتَانِ يَحْفَظُ اسْمَهُمَا النَّاسُ إِلَى الْآنِ.
وَاسْمُ لُوطٍ مَصْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لِكَوْنِهِ ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْوَسَطِ كَنُوحٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ مَادَّةِ لَاطَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ لَوْطًا أَيْ لَصَقَ بِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقُولُ: إِنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ لُوطٍ بِالْعِبْرَانِيَّةِ سَتْرٌ فَهِيَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ مَعْنَى مَادَّتِهَا الْعَرَبِيَّةِ عَنْ مَادَّتِهَا الْعِبْرِيَّةِ وَالسِّرْيَانِيَّةِ أُخْتَيِ الْعَرَبِيَّةِ الصُّغْرَيَيْنِ، عَلَى أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْهُ فَإِنَّ اللُّصُوقَ ضَرْبٌ مِنَ السَّتْرِ. وَيُرَاجَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي لُغَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ (74 س 6) [ص 445 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ] قَالَ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} النَّسَقُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا- وَلَكِنْ حُذِفَ هُنَا مُتَعَلِّقُ الْإِرْسَالِ وَرُكْنُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، أَيْ أَرْسَلْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ فِعْلَ الْفَاحِشَةِ فِيمَا بَلَغَهُمْ مِنْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ لُوطًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا لَهُمْ: أَتَفْعَلُونَ الْفِعْلَةَ الْبَالِغَةَ مُنْتَهَى الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ؟ {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} بَلْ هِيَ مِنْ مُبْتَدَعَاتِكُمْ فِي الْفَسَادِ، فَأَنْتُمْ فِيهَا قُدْوَةُ سُوءٍ، فَعَلَيْكُمْ وِزْرُهَا وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ يَتْبَعَكُمْ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ نَحْوِيٌّ أَوْ بَيَانِيٌّ يُؤَكِّدُ التَّوْبِيخَ بِبَيَانِ أَنَّهُ فَسَادٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَلِهِدَايَةِ الدِّينِ مَعًا، والْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: {بِهَا} لِلتَّعْدِيَةِ أَوِ الْمُلَابَسَةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ- أَقْوَالٌ. وَقَوْلُهُ: {مِنْ أَحَدٍ} يُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ وَعُمُومَهُ الْمُسْتَغْرِقَ لِكُلِّ الْبَشَرِ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَصْدُقُ بِعَالِمِي زَمَانِهِمْ، وَلِكَوْنِهِمْ هُمُ الْمُبْتَدِعِينَ لَهَا اشْتَقَّ الْعَرَبُ لَهَا اسْمًا مِنْ لُوطٍ فَقَالُوا لَاطَ بِهِ لِوَاطَةً.